يعتبر علم النفس الصناعي والمؤسسي أحد فروع علم النفس التطبيقي، حيث يركّز الهدف الأساسي من علم النفس الصناعي والمؤسسي على الارتقاء بكفاءة المؤسسة من خلال رفع إنتاجية موظفيها. لعلم النفس الصناعي والمؤسسي جانبان رئيسيان؛ هما:
أ- الجانب الصناعي (مجال العمل)
يتضمن النظر في أفضل السبل لمواءمة الأفراد مع أدوار وظيفية محددة، ويشار إلى هذا الجزء من علم النفس الصناعي والمؤسسي أحياناً باسم علم نفس الأفراد، وفيه يتم تقييم سمات الموظف ومن ثم مطابقتها مع الوظائف التي من المرجح أن يؤديها الفرد بنجاح، ذلك بالإضافة إلى التدريب وتطوير معايير الأداء الوظيفي وقياسه.
ب- الجانب المؤسسي
يركّز الجانب المؤسسي على فهم كيفية تأثير المؤسسات على السلوكيات الفردية، فالهياكل المؤسسية والأعراف الاجتماعية وأنماط الإدارة وتوقعات الأدوار الوظيفية جميعها عوامل يمكن أن تؤثر على سلوك الموظفين في المؤسسة، حيث يأمل علماء النفس الصناعيين والمؤسسيين من خلال فهم هذه العوامل مجتمعة في تحسين الأداء والصحة الفردية في ذات الوقت لإفادة المؤسسة ككل.
في حين أن علم النفس الصناعي والمؤسسي يعتبر مجالاً تطبيقياً؛ إلا أنه لا يخلو من بعض جوانب علم النفس التجريبي، فما هي النواحي التطبيقية التي يتضمنها علم النفس الصناعي والمؤسسي والتي تساهم في تطوير المؤسسة؟
ذكر موشينسكي (2000)، في كتابه: "علم النفس المطبق على العمل: مقدمة في علم النفس الصناعي والمؤسسي"، أن لعلم النفس الصناعي والمؤسسي عدة مجالات تطبيقية، نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
أ- حل المشكلات في مكان العمل: يعتمد علم النفس الصناعي والمؤسسي بشكل أولي على الحلول الموضوعية والإنسانية للمشكلات المتنوعة، حيث يبدأ حل المشكلات بالاهتمام بكرامة الموظفين واحترامهم، مما يحقق لهم الراحة النفسية ويؤثر إيجاباً على صحتهم . عادة يهتم المدراء ويستثمرون بزيادة الإنتاجية والأرباح مهملين في معظم الأوقات موظفيهم واحتياجاتهم النفسية. تظهر أعراض الاحتياجات النفسية بعد مدة زمنية بأشكال مختلفة كقلة الاهتمام وكثرة الإجازات المرضية والعرضية وجهد وتعب الموظفين، ونتيجة لذلك تنخفض الانتاجية والأرباح والروح المعنوية، لذا نجد أن توفير الجو المناسب للموظفين ومحاولة حل مشكلاتهم بشكل سريع وفعال أمر في غاية الأهمية؛ فالعنصر البشري بمنظومته الجسدية والنفسية المتكاملة هو الدعامة الجوهرية لتحقيق الأهداف المؤسسية، لذلك علينا أن نوليه اهتماماً كافياً منذ بداية حياته المؤسسية، فمن الضروري أن نتأنى في عمليات الاختيار وتعيين الموظفين في المناصب الملائمة، ذلك إلى جانب أهمية برامج التدريب والتطوير. كل ما سبق أظهر الحاجة إلى علم النفس الصناعي والمؤسسي لأنه يساعد المؤسسات على تهيئة جميع الظروف المادية والنفسية والاجتماعية لرعاية الموظف وحل مشاكله المتنوعة التي تظهر في مسيرته لتحقيق أهدافه الشخصية والمؤسسية على حد سواء.
ب- زيادة الكفاءة الإنتاجية: بعبارة أخرى زيادة قدرة الأفراد على تحقيق الأهداف المؤسسية، حيث يتم ذلك من خلال صقل قدراتهم التقنية والسلوكية والنفسية، فتعزيز هذه الركائز الثلاث تمكّن الموظّف من القيام بمهامه وتحقيق المستهدفات المرجوة منه والتصرف بشكل إيجابي وتطبيق السلوكيات المتوازنة.
ت- تعزيز مواءمة الموظف مع الوظيفة الموكلة إليه: يتحقق توافق العامل مع عمله من خلال انتقاء الموظفين للوظائف التي تتلائم مع قدراتهم وسماتهم الشخصية، ومن ثم إتاحة الفرصة أمامهم للتطوّر ومعاملتهم باحترام وحفظ لكرامتهم، فنحصل على الشخص المناسب في المهنة المناسبة مما يشعره بالولاء نحو المؤسسة والارتباط بها كعضو فعال منتج. تتحقق مواءمة الموظف مع الوظيفة من خلال:
ث- الاستقرار الصناعي: يتحقق الاستقرار الصناعي بمعالجة مصادر الشكاوى والمنازعات بين العمال وأصحاب العمل، وذلك من خلال وضع سياسة شاملة لتحديد معايير التوظيف والأجور والأداء... إلخ
ج- بيئة العمل: يتضمن مجال بيئة العمل تصميم الإجراءات التي تحقق أقصى قدر من الأداء وتقليل الإصابات الجسدية والنفسية.
ح- الحياة المؤسسية: يركز هذا المجال على تحسين مستوى رضا الموظفين وتعظيم إنتاجية القوى العاملة. قد يعمل المتخصصون في هذا المجال على إيجاد طرق لجعل الوظائف أكثر مكافأة أو تصميم برامج تعمل على تحسين جودة الحياة في مكان العمل.
أما الموضوعات التي يتناولها علم النفس الصناعي والمؤسسي فهي التالية:
- تحفيز الموظفين: قد يستخدم المحترفون في هذا المجال مبادئ علم النفس لتحفيز الموظفين وتعزيز قدرتهم على الإنجاز.
- اختبار الموظفين: غالباً ما يستخدم علماء النفس الصناعيين والمؤسسيين المبادئ والاختبارات النفسية لمساعدة الشركات على اختيار المرشحين الأكثر مُلاءمة لأدوار وظيفية محددة.
- القيادة: مساعدة القادة على تطوير استراتيجيات أفضل أو تدريب المدراء على استخدام مهارات القيادة المختلفة لإدارة أعضاء الفريق بشكل أكثر فعالية بالإضافة إلى معرفة العوامل النفسية التي قد تؤثر على أداء المرؤوسين.
- التنوّع في مكان العمل: في مجال علم النفس المؤسسي؛ قد يساعد المتخصصون في هذا المجال الشركات على تطوير ممارسات التوظيف والتدريب التي تعزز تنوعاً أكبر في المؤسسة.
- الأداء: دراسة السلوكيات في مكان العمل من أجل تصميم بيئات وإجراءات تزيد من فعالية الموظفين ورفاهيتهم.
تنسب العديد من المؤسسات نجاحها إلى موظفيها، فمن دون موظفين مجتهدين ومبدعين، لن تتبوأ معظم المؤسسات مكانتها الحالية، ولكن ليس كل الموظفين متقنين لوظائفهم، فالهدف الأسمى لعلم النفس الصناعي والمؤسسي هو الوصول إلى "سلوك المواطنة" وهو سلوك الموظفين الذين يشعرون بالانتماء لمؤسساتهم، فتجدهم يشاركون في أنشطة تتجاوز وصفهم الوظيفي ومهامهم الاعتيادية مما يفيد المؤسسة؛ كالعمل التطوعي والتعاون وتبادل الأفكار المبتكرة (بورمان، 2004).
يركّز علم النفس الصناعي والمؤسسي على التمتّع بثلاثة أنواع مختلفة من السلوكيات ضرورية لنجاح المؤسسات يقول نيولاند (2012)، كونها:
- أولاً- التحفيز: تحفيز الموظفين خاصة من الذين يتمتّعون بسلوك المواطنة واستبقائهم في المؤسسة.
- ثانياً- الوفاء: شرح دور الموظفين لهم ليتمكنوا من الوفاء بمتطلبات هذا الدور بما يحدده الوصف الوظيفي على الأقل.
- ثالثاً- الجهد: استعداد الموظفين للقيام بأكثر مما هو مطلوب منهم. هذا الجهد الإضافي يمثل بداية سلوك المواطنة.
في نهاية المطاف؛ وبالرغم من أن الشركات ستستمر في التركيز على جني الأرباح، يجب عليها التنبه إلى أهمية العوامل النفسية الخاصة بموظفيها، وعدم تجاهل العديد من الدراسات والأبحاث التي أثبتت بما لا يدعو للشك أن عدم الاهتمام برأس المال النفسي للموظفين قد يعيق الإنتاجية والنمو وقدرات حل المشكلات المؤسسية. في السنوات السابقة، تم الاعتراف بعلم النفس الصناعي والمؤسسي كواحد من أسرع المجالات نمواً إذ يساعد المؤسسات على فهم متعامليها ومنافسيها وخاصة موظفيها من خلال دراسة وتحليل أنماطهم السلوكية.
برأيي المتواضع؛ أحرزت المؤسسات تقدماً ملحوظاً فيما يخص المتعاملين والمنافسين لكن يبقى لديها الكثير لتنجزه فيما يتعلق بالموظفين وصحتهم النفسية. فالعبرة لمن اعتبر والسلام.
قرأت مؤخرًا مقالًا حول ضرورة إدارة مستويات طاقة الموظفين بدلاً من التركيز…
تجد المؤسسات نفسها بين مطرقة التكنولوجيا وسندان التغيير المستمر الذي يدفعها…
في ضوء التقدم السريع للتكنولوجيا وما يسمى الثورة الصناعية 4.0، أي الذكاء…
جلب فيروس كورونا المستجد مخاوف كثيرة هددت البشرية جمعاء. في هذه الأوقات…
2024© جميع الحقوق محفوظة