كانت الساعة 6:15 صباحًا في دبي، ولم يكن الصباح قد انبلج، ولكن رائحة البن المحترق والهواء المُثقل بالتركيز داخل مكتب "نورالوكس" أفادت بأن الليلة الفائتة كانت طويلة. وقفت رايا صايغ أمام سبورة بيضاء، حاملة بيدها قلمًا أحمر وفي ذهنها سؤال محير: لقد كانت السبورة قبل ساعات مليئة بخطط وجداول، والآن...لم يبقَ عليها شيء.
الخطة — تلك التي صُمّمت بعناية، ووافقت عليها الإدارة، والمفصّلة خطوة بخطوة — باتت الآن هباءً منثوراً.
في المكتب، بدا الموظفون مشغولون. أحمد يطبع بجنون محاولًا استرجاع ملفات مفقودة، ولينا تمشي ذهابًا وإيابًا، هاتفها ملتصق بأذنها، تحاول الوصول إلى مزوّد الخدمة الذي اختفى بين ليلة وضحاها. وتوماس، جالس على الأرض، يحدّق في كابلات لم يعد يثق بها.
لم يجرؤ أحد على قولها، ولكن الجميع كان يعلم: ماتت الخطة .
ولكن بدلاً من الانهيار، أخذت رايا نفسًا عميقًا، وكتبت ما يلي على ثلاث قصاصات كبيرة لاصقة:
ثم علّقتها على السبورة، واستدارت نحو الفريق.
"لم نخسر المشروع، فقط خسرنا الخريطة."
"نورالوكس"، شركة تكنولوجيا استهلاكية صاعدة، كانت تستعد لإطلاق منصة سحابية لإدارة المخزون في مستودعات مجلس التعاون الخليجي. وقد تم اختيار رايا، رئيسة تكامل الأعمال، لقيادة العملية نظراً لدقتها وسمعتها في التنفيذ الصارم. كل شيء كان محسوبًا، حتى اليوم الذي اختفى فيه الشريك التقني الأساسي.
في لحظة واحدة، توقف برنامج التخطيط المؤسسي الإلكتروني. لا دعم. لا نسخ احتياطية. وموعد التشغيل يقترب بسرعة.
الرد الأول كان الصمت. ثم الإنكار. ثم الذعر.
قال توماس: "ربما تعود الشركة قريبًا."
لكن رايا لم تنتظر. ألغت الاجتماعات الرسمية ودعت الفريق إلى مكتبها.
أعطت رايا كل عضو ورقة بيضاء وسألتهم:
"إذا اضطررنا لتشغيل النظام في البحرين خلال 10 أيام فقط باستخدام الأدوات التي نملكها، فماذا سنفعل؟"
ما تبع ذلك لم يكن العصف الذهني. لقد كانت عملية حزن وابتكار ثم إعادة بناء.
اقترحت لينا استخدام أدوات بدون كود برمجي. وأشار أحمد إلى إمكانية تفعيل النظام القديم مؤقتًا. وأعاد توماس ترتيب سلسلة العمليات اليدوية.
أطلقوا النسخة التجريبية بعد 17 يومًا. لم تكن مثالية، لكنها كانت فعالة.
أطلقت رايا ما سمّته "اجتماعات الصمود الصباحية" لمدة 15 دقيقة كل يوم، حيث يشارك كل عضو من خلال خطوة واحدة وقرارًا واحدًا اتخذه.
أعادت رايا تعريف المرونة بأنها ليست سرعة التفاعل، بل هدوء التوجيه.
الإدارة لاحظت، ولكن الأهم، أن الفريق أصبح أقوى، وأكثر وضوحًا، وأكثر شجاعة.
المرونة لا تعني الاستمرار في الدفع، بل القدرة على التخلي مبكرًا — عن التوقعات، وعن الفرضيات، وعن الخطط التي لم تعد تخدم الواقع.
أما التكيف، فهو فن العمل بما تبقى — وبناء شيء أفضل مما هو متاح.
ما هو الجزء من خطتك الحالية الذي تتمسك به رغم أنه لم يعد مناسبًا للواقع؟
المصفوفة التالية تُظهر الأداة التي استخدمتها رايا لمساعدة فريقها في تصنيف نوع التغيير والاستجابة المناسبة:
"المرونة لا تتعلق بالعودة إلى ما كان ، ولكن المضي قدما في ما هو موجود.
في مواجهة التغيير ، يقود أولئك الذين يتكيفون. قد تتغير الخطط ، لكن الغرض يصمد".
- مبدأ راية صايغ في إعادة التوجيه الهادئ
قرأت مؤخراً كتاباً يتناول القيادة ويتطرق إلى نوعين مختلفين من القادة. النوع الأول يشمل اولائك الذين يستنزفون الذكاء والطاقة والإمكانيات من الذين يحيطون بهم طمعاً بأن يكونوا الأذكى في الغرفة. هؤلاء هم قتلة الأفكار والاب...
قال النسر "إذا لم يكن لديك رؤية واضحة لا يمكنك معرفة هدفك". "هذا هو أسلوبي، فأنا أطير عالياً لأحسن رؤيتي لكي أتمكّن من اتخاذ قرارات استباقية". أجابه النمر: "حسناً، أنا أفضل المخاطرة، من دون مخاطرة لن تحصل على ما تريد"...
2025© جميع الحقوق محفوظة