مستقبل الجودة في المنطقة العربية

12th March, 2019

هل نجحت مساعي الجودة في تطوير أداء الأعمال والارتقاء لخدمة العملاء في المنطقة العربية؟ سؤال يكثر طرحه بالآونة الأخيرة.

تهدر المليارات من الأموال هذه الأيام نتيجة قلة التركيز على الجودة، فقد يكون الهدر بسبب الأخطاء الإنتاجية أو من خلال سير العمل نفسه مما يؤدي نهايةً إلى خسارة أهم وأثمن حلقة في كل العملية وهو العميل. ولهذا لقد تسارعت الخطى للوصول إلى أعلى درجات التميز في الآونة الأخيرة في مجالات عدة، مما دفع المؤسسات العربية إلى البحث عن مفاهيم وبرامج جودة جديدة لتطبيقها داخل المؤسسات.

إضافة إلى ذلك، لقد دفع التسارع المستمرفي احتياجات العملاء محاولة رفع التميز المؤسسي من خلال تطبيق مفاهيم عدة، أشهرها إدارة الجودة الشاملة (TQM)، والمـواصفــات الدولية ISO)) بمخـتلف أنواعهـــا، وســـداســية ســــيجما (Six Sigma)، وتعددت جوائز التميز في الدول لدفع عجلة الجودة، ومن أشهرها جائزة سمو الشيخ خليفة للامتياز وجائزة دبي للجودة وجائزة الملك عبدالله بن الحسين للتميز، وتعددت الدورات التدربية وورشات العمل حول هذه المواضيع لدعم الجودة نظراً لأهميتها وللدعم الدولي والمؤسسي العالمي الذي أوليَ لها.

تعريف الجودة:

قد يكون تعريف الجودة غير محدد عند الكثيرين، إلا أنه باستطاعتهم التعرف على عوامل الجودة حينما يرونها، حيث تعتمد الجودة بشكل رئيسي على العملاء وتوقعاتهم مثل مدى ملاءمة المنتج لاستخداماتهم، وقد ترتبط الجودة بالسعر، فتُربط السلعة ذات النوعية الجيدة مع السعر المرتفع.

إن التعريف الشامل للجودة، والذي وضع من قبل الجمعية الأمريكية للجودة (American Society for Quality)، هو "تكامل مجموع الصفات والمميزات للسلعة والتي تحمل في طياتها القدرة على تلبية احتياجات العميل".

الإسلام أيضا يدعو إلى التأكد من جودة العمل الذي يقوم به الإنسان وخلوه من النقص والعيوب، فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على إتقان العمل فقال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، والإتقان هنا يستدعي من المرء أن يؤدي عمله على أكمل وجه، وأن يسعى للوصول به إلى مرحلة الكمال الإنساني، بحيث يقوم بالعمل بكل تفاصيله دون تقصير أو تفريط أو غش أو خداع، وهذا يستدعي الإخلاص الكامل في العمل، وأساس الإتقان في الأعمال في الإسلام هو توفر المعرفة أولاً، والدليل على ذلك قول الله تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم" (الإسراء، أية: 36)، والمعرفة بدون عمل لا تساوي شيئاً، وقد أكد الله تعالى ذلك بقوله: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله" (التوبة، الآية: 105)، ولهذا على الإنسان أن يتذكر أن فوق رقابة البشر هناك رقابة من الله تعالى، وهي أعلى درجات المسائلة الفردية والجماعية لقوله تعالى: "وقفوهم إنهم مسؤولون" (الصافات، الآية: 24) .

تاريخ الجودة:

تطور مفهوم الجودة عبر السنين، فقد بدأ المفهوم بارتباطه بالتفتيش (Inspection) في الدوائر الإنتاجية واستخدام الأدوات الإحصائية مثل لوائح السيطرة (Control Charts) في بدايات عام 1940، وسرعان ما امتد معنى الجودة ليشمل بقية الدوائر في المؤسسة، ولم يعد اقتصاره على دائرة الإنتاج فحسب، بل أصبح المعنى يشمل التحسين المستمر والأخطاء الصفرية (Zero Defects) وإرضاء العميل.

مجالات تطبيق الجودة:

إن مجالات تطبيق إدارة الجودة تتعدى ما قد يظنه البعض بأنه محصور في الشركات الصناعية فقط، بل يتعداها إلى كل مرفق من مرافق الإنتاج والخدمات سواء أكانت خاصة أو حكومية، فالحكومة الأمريكية مثلاًعملت على إدخال أفكار الجودة في الجامعات ومكاتب البريد ومراكز الضرائب والمستشفيات، وهذا يؤكد فلسفة إدارة الجودة بأنها أسلوب حياة (Way of Life)، أي أنها أكثر من مجموعة قواعد ومبادىء تطبق وينتهي البرنامج.

مزايا استخدام الجودة:

يمكن تلخيص مزايا الجودة بالتالي:

  1. زيادة حصة السوق بالنسبة للمؤسسات التجارية
  2. تخفيض التكاليف على المدى البعيد.
  3. زيادة الإنتاجية.
  4. زيادة الربحية.
  5. إشراك الموظفين وتعزيز قدراتهم والحفاظ عليهم.
  6. رفع مستوى السمعة
  7. وسيلة لإظهار القيمة المضافة وإيجاد جو عمل خلاق.

مستقبل إدارة الجودة في المنطقة العربية:

ستظل إدارة الجودة قاسماً مشتركاً بين جودة التكنولوجيا في المواد والمعدات وجودة إدارة الأفراد، وإذا لم تستطع النظم الإدارية أن تتغلغل في مدخلات السلوك الإنساني لتحسين الأداء، فلن تحقق دعوة إدارة الجودة في الوطن العربي الهدف منها، مثلما تحقق في بلاد أخرى مثل ألمانيا واليابان وكندا والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى في أوروبا.

إن العالم العربي بحكم موقعه واتصاله المستمر في العمليات التجارية واندماجه في الصناعات المتعددة أصبح في أمس الحاجة للتوسع في الأسواق الخارجية العالمية والمنافسة بشقيها السعري والنوعي، وقد انتبهت العديد من المؤسسات العربية إلى أهمية تطبيق مبادىء الجودة فبدأت، بالتعاون مع دور الخبرة، بالتخطيط لتطبيق هذه المبادىء، وقد وضعت العديد من المؤسسات أنفسها على الطريق الصحيح عندما حصلت على شهادة المواصفات العالمية ISO 9001، مما جعلها مهيأة للوصول إلى مستويات عليا من الجودة.

لقد شهدت المنطقة العربية تطورات عدة في مجالات الجودة، ونخص بالذكر دولة الإمارات العربية، حيث حصلت العديد من الشركات فيها على منظومة المواصفات العالمية(ISO) في مختلف المجالات، وسارعت الشركات إلى تدريب الكوادر لتزويدها بمهارات في مجالات عدة، مثل مراجعة وتبسيط الإجراءات، وتطوير الأنشطة بهدف تقليل الأعطال والأخطاء من خلال تطبيقات (Six Sigma) و (LEAN)، كما عمدت حكومة الإمارات العربية المتحدة إلى تطبيق الجودة على عملياتها وخدماتها العديدة من خلال تطبيقات الحكومة الالكترونية، مما أدى إلى اختصار الوقت في العديد من الإجراءات التي سهلت التعامل على العملاء وخفضت من مصاريف التشغيل.

ونتيجة لدعم الحكومة المستمر، تسابقات المؤسسات والجهات الحكومية على الحصول على جوائز الجودة لرفع كفاءة الأنظمة والأفراد ولنشر ثقافة الجودة داخل المؤسسات، مما جعل دولة الإمارات العربية المتحدة محط أنظار العديد من الدول المجاورة كمثال حي في تطبيق هذه الممارسات يمكن الاستفادة من تجربتها في هذا المجال.

من خبرتي وتجاربي التطبيقية في العديد من المؤسسات من خلال التدريب والاستشارات، أعتقد جازماً بأن المساعي في تطوير الجودة قد بدأت تأتي بثمارها، ولا شك أن العديد من الشركات أصبحت قادرة على قياس نتائج تطبيقات الجودة المتنوعة من خلال استخدام معيار تكاليف الجودة ومقارنتها بالتخفيضات الناجحة في أخطاء الإنتاج والإدارات.

على المؤسسات وخبراء الجودة التفكير جدياً بدمج التقنيات الحديثة مثل انترنت الأشياء و بيغ داتا و الذكاء الاصطناعي مع مفهوم الجودة.

لا شك أن الطريق ما زال في بدايته، ويصح القول هنا أن الجودة هي أسلوب حياة و لا تنتهي بنهاية برنامج جودة معين، ولا زالت الفرص متاحة لتطبيق العديد من المماراسات والأدوات المتوفرة في عالم الجودة، والتي سوف تنعكس إيجابياً على تطور الدول والمؤسسات والوصول بها إلى مصاف الدول الكبرى في مجالات الإنتاجية وخدمة العملاء.

إن العالم العربي مدعو للاستمرار بالتحسين المستمر حيث تبقى الجودة هي المعيار الوحيد لتقييم السلع والخدمات.

عن الكاتب
د. فوزي بوّاب

شريك

يشغل الدكتور فوزي بواب منصب استشاري وشريك لدى شركة ميرك للتدريب والاسـتشارات، وهو حائز على درجة الدكتوراة من كلية إدارة الأعمال من جامعة هيريوت واتس بأدنبرة وحائز على شـهادة عليا في منهجيات الأبحاث من نفس الجامعة. وهو أيضا حاصل على درجة الماجستير في الهندسة الصناعية متخصصاً في إدارة الجودة الشاملة ودرجة البكالوريوس في الهندسة المدنية من الجامعة الأردنية. بالإضافة لذلك فهو عضو في جمعية المهندسين الأردنيين، وعضو في الجمعية الأمريكية للجودة، والمعهد الأمريكي للمهندسين الصناعيين، والجمعية الأمريكية للإدارة الهندسية، كما حاز على عدة شهادات معتمدة منها: شهادة مقيّم معتمد للجودة مع IRCA من المملكة المتحدة، ومدرب معتمد Six Sigma التي يحمل فيها الحزام الأسود، فضلاً عن كونه مستشار مؤهل للاستراتيجيات وبطاقة الأداء المتوازن من معهد Kaplan- Norton . وهو أيضا أخصائي تدريب معتمد من معهد الأداء والتعلم CTP في كندا.

الاطلاع على الملف
هل مهنة خبير الجودة في طور الاندثار؟
هل مهنة خبير الجودة في طور الاندثار؟

في ضوء التقدم السريع للتكنولوجيا وما يسمى الثورة الصناعية 4.0، أي الذكاء…

د. فوزي بوّاب
2nd February, 2021
اقرأ أكثر